
في صباح يومٍ هادئ من ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥، احتضن 'معهد الملك سيجونغ ' في الجامعة الأردنية عمّان فعالية ثقافية آسرة حملت عبق كوريا وهدوء طقوسها تحت عنوان ’فعالية الشاي الكوري وآدابه' كان المكان أشبه بغرفة تستيقظ على رائحة البخار الدافئ فيما تنساب النغمات الكورية الهادئة كأنها خيط موسيقي ينسّق إيقاع الجلسة.
بدأت المعلمة الكورية بتقديم شرحٍ وافٍ عن آداب تناول الشاي الكوري، المعروف باسم 'دادو' موضّحة أنّ هذا الاسم يحمل معنى 'طريق الشاي' أو 'فن الشاي' ففتحت لنا بابًا على عالمٍ يتعامل مع الشاي بوصفه حوارًا داخليًا قبل أن يكون شرابًا. تحدّثت عن أنواعه المتعددة بنكهات لذيذة، بعضها يزهر على اللسان برائحة الأعشاب وبعضها يحمل نكهة الفواكه أو الجذور التي تشتهر بها الجبال الكورية.
ثم قدّمت أمام الحضور الأدوات التقليدية كاملة الإبريق المصنوع بعناية الكؤوس الصغيرة التي تستقر فوق صحون دقيقة الأعواد الخشبية الخاصة بحمل الكوب الساخن، والوعاء المخصص لتفريغ الماء. شرحت لنا خطوات التحضير خطوة بخطوة تبدأ بتسخين الماء ثم وضع الشاي في الإبريق وسكب الماء المغلي عليه بلطف كأن العملية نفسها طقس احترام قبل أن تكون وصفة.

وتعلّمنا أن الكوريين يغسلون الكؤوس بالماء الساخن أولًا يملؤونها ثم يفرغونها في الوعاء المخصص لتصبح الكؤوس مستعدة لاحتضان الشاي. وبعدها تُمسك الكؤوس بالأعواد الخشبية التقليدية بينما يُدار الشاي بمهارة ثم يُسكب في الكؤوس كوبًا كوبًا مع الحرص على أن يكون أول كوب لمن حضّر الشاي أو لمن يقدّمه ثم يتوزع باقي الشاي على الضيوف وفق ترتيب الجالسين. ما شدّ الانتباه أيضًا هو أن الجلسة ليست لشرب الشاي فقط بل لخلق مساحة هادئة يتحدث فيها كل مشارك عن نفسه أو عن مستقبله بينما يصغي الباقون باحترام وكأن الشاي يمنح الكلمات توازنًا ويُبطئ الزمن ليتيح الفرصة للتأمل. وشاهدنا كيف يحتسي الكوريون الشاي بثلاث رشفات هادئة ممسكين الفنجان باليد اليمنى بينما ترتكز اليد الأخرى أسفل الكوب في حركة تبدو كأنها احتضان للكأس لا مجرد إمساك به.


كانت الفعالية أقرب إلى جلسة استرخاء مكتملة هدوء موسيقى وبخار شاي دافئ ينساب في المكان. وأكثر ما لفت انتباهي اختلاف بسيط بين العادات العربية والكورية ففي ثقافتنا نُسرع بتقديم الشاي للضيف قبل أن نلمس الكوب بأنفسنا بينما في الطقس الكوري يكون أول كوب لصانع الشاي بوصفه جزءًا من احترامه للطقس نفسه.

ومع ختام الفعالية وبعد أن تذوّق الجميع الشاي بطقوسه الكاملة قدّمت لنا المعلمة الكورية مغلفًا من الشاي الكوري كتذكار لطيف وقالت إنها هدية لنتذوّق الشاي مجددًا في منازلنا مع عائلاتنا وكأنها تريد لطمأنينة الجلسة أن تستمر حتى بعد مغادرة المكان انتهت الجلسة لكن صداها بقي طويلًا فقد خرج المشاركون محمّلين بشيء يشبه الهدوء الداخلي كما لو أن الشاي لم يُشرب فحسب بل روى شيئًا في الأعماق

الكلمات المفتاحية
الشاي الكوري، الثقافة الكورية، دادو ،طقوس الشاي، الشاي التقليدي، أدوات الشاي الكورية، جمهورية كوريا، كوريا نت
How about this article?
- Like0
- Support0
- Amazing1
- Sad0
- Curious0
- Insightful0