
.'الصورة تظهر منارة' بالميدو، أقدم مناراة في كوريا و’يد التعايش'
(الصورة من الموقع الرسمي للهيئة الوطنية للتراث الثقافي في كوريا ومن موقع فيزيت كوريا)
وتم تجميعهم بواسطة المراسلة اسيل السيلاوي
تُعدّ المنارات الواجهة الأولى للمدن الساحلية؛ فهي رموز للسلامة والثقافة، تربط ما بين البر والبحر، وتُنير الطريق لكل عابر وزائر، ولكل سفينة تبحر نحو الموانئ. ومنذ عام 2018، تم الاختيار الأول من يوليو يومًا عالميًا للمنارات، لتسليط الضوء على أهميتها في مجالات متعددة: من السياحة والثقافة إلى السلامة البحرية والتاريخ.
تحيط بشبه الجزيرة الكورية ثلاثة بحار، وتضم أكثر من ألف منارة، تتوزع بين سواحل المدن الكبرى مثل بوسان وإنشون، وكذلك على الجزر البعيدة مثل جيجو وأولنغدو. لكل منارة قصتها الخاصة، وتاريخها المتجذّر في ذاكرة الملاحة الكورية.

.الصورة تظهر منارة' بالميدو'
(الصورة من الموقع الرسمي للهيئة الوطنية للتراث الثقافي في كوريا)
بُنيت أول منارة في كوريا عام 1903 على جزيرة 'بالميدو' بالقرب من مدينة إنشون، وسُمّيت باسم الجزيرة ذاتها. لم تكن مجرد مبنى للإرشاد البحري، بل شكّلت نقطة تحوّل في تاريخ الملاحة الكورية. فعندما رأيت صورها، شعرت وكأنها بداية عصر الانفتاح البحري لكوريا، إذ أسهمت في دعم التجارة والصيد البحري.
بالنسبة لي، بدت منارة 'بالميدو' كأنها أول ضوء يشق ظلام الوحدة، يعلن بداية تواصل بين اليابسة والبحر، بين الداخل والعالم. إنها ليست فقط مبنى، بل شاهد على حلم تحقّق، واحتياج بشري عميق لأن يكون هناك دائمًا ما يُرشدنا، حين نكون على وشك الضياع.
اليوم، تُصنّف منارة 'بالميدو' كإرث ثقافي بحري وطني، وتشرف على صيانتها هيئة التراث الوطني الكوري.

.الصورة تظهر أطول منارة في كوريا
(الصورة من موقع فيزيت كوريا)
أما أطول منارة في كوريا، فقد شُيّدت في مدينة 'بوهانغ' وبلغ ارتفاعها 26.8 مترًا. وتضم المنارة متحفًا بحريًا يسلّط الضوء على تاريخ الإبحار والمنارات في كوريا. بجوارها يقع المعلم الشهير 'يدا التعايش' إحداهما تقع على البحر و الأخرى على البر، و تعتبر رمزاً للسلام والتأمل، و ترمز للعيش معاً، و مواجهة التحديات يداً بيد، و تعتبر رمزاً للاحتفال ببداية كل عام عند شروق الشمس في الاول من يناير، في مشهد يجمع بين إشراقة الشمس الأولى ونور المنارة الدائم.
حين قرأت عن هذا المكان، شعرت أن الضوء لا يصدر فقط من الأعلى، بل من فكرة 'اليدين' أيضًا. في هذا الزمن الذي يفتقد الكثيرون فيه للتضامن، بدت المنارة وكأنها تصرخ: "لستَ وحدك، هناك مَن يمد لك النور واليد معًا." كم نحتاج أحيانًا لمنارات بشرية، ترتفع بصمت، لكنها تقول الكثير!

.الصورة تظهر' يد التعايش'
(الصورة من موقع فيزيت كوريا)
.
للمنارات حضور قوي أيضًا في الثقافة الكورية، فقد ظهرت رمزيّتها في الأغاني والأدب. في أغنية 'المنارة' للمغنية الكورية 'يونين'، تتحول المنارة إلى رمز روحي عميق. تقول كلمات الأغنية:
أنظر نحو البحر البعيد،
وأضيء الطريق حتى تصل إلى حيث أنت،
كي لا تغمرك الأمواج،
أُضيء البحر المظلم،
سأكون منارتك.
في هذا المقطع، تمثل المنارة ذلك الضوء الداخلي الذي يمنح من نحبهم القوة والطمأنينة، ويُرشدهم في أحلك الظروف، كأنها وعد ثابت في وجه متغيرات الحياة.
استوقفتني كلمات هذه الاغنية، شعرت وكأن المنارة هنا كعادتها، قلب، أو حب نقي، أو حتى صديق. كلنا بحاجة إلى 'منارة' تشبهنا، تضيء دروبنا أو حتى من أعماقنا لنخبر انفسنا وبهدوء: "أنا هنا، فقط سر بثقة!" الفن يمنح هذه الرموز الحياة، ويجعلنا نراها في تفاصيلنا اليومية.

.الصورة تظهر منارة مراقية ميناء العقبة في مدينة العقبة في الأردن
(الصورة من موقع بيكسيلز بواسطة هشام زيادنه)
لا تقتصر رمزية المنارات على كوريا فحسب، ففي الأردن، وتحديدًا في خليج العقبة، تنتصب منارات جميلة ترشد السفن القادمة من البحر الأحمر. وهي تُعد شواهد ثقافية وسياحية تعكس موقع الأردن الجغرافي كحلقة وصل بين آسيا والعالم العربي.
و إحدى الامثلة عليها 'منارة مراقبة ميناء العقبة' حيث أنشات عام ١٩٩١ بإرتفاع ٧٢ متراً, لم يسبق لي مشاهدتها او مشاهدة اي منارة و لكن أتمنى ان تتاح لي الفرصة لتجربة رؤيته.
و في عالم سريع التغير، تبقى المنارات شاهدة على الحنين، والثبات، والأمل الذي لا ينطفئ. سواء في كوريا أو الأردن، فإن المنارات تذكّرنا دومًا بأن هناك نورًا في نهاية الطريق، وأنّ البحر، رغم اتساعه، ليس موحشًا إن وُجدت إشارات ترشدنا إلى برّ الأمان.
كي ووردز
مراسل فخري, نور, منارات, منارة, ثقافة, بحر, اسيل السيلاوي, جمهورية كوريا, كوريا نت
How about this article?
- Like0
- Support0
- Amazing1
- Sad0
- Curious0
- Insightful0