
يُعتبر البيت الأزرق 'تشونغ واديه' أحد أهم الرموز الوطنية في كوريا، حيث ظل مقرًا رسميًا لرئاسة الجمهورية لأكثر من سبعة عقود. يقع هذا البيت التاريخي في قلب العاصمة سيئول، عند سفح جبل 'بوكّاكسان'، ويتميز بتصميمه المعماري الفريد الذي يعكس تراث السلالات الكورية العريقة، مع سقف مغطى ببلاط أزرق تقليدي يرمز إلى الصفاء والاستقرار. على مدار سنوات طويلة، كان البيت مغلقًا أمام الجمهور، مما أضفى عليه هالة من الخصوصية والهيبة، باعتباره مركزًا للحكم واتخاذ القرارات الهامة. لكن مع نقل المقر الرئاسي في عام 2022 وفتح أبواب البيت للجمهور، أصبح اليوم مقصدًا سياحيًا وثقافيًا يجذب آلاف الزوار من داخل كوريا وخارجها.

في مايو 2022، اتخذت الحكومة الكورية خطوة غير مسبوقة بنقل مقر الرئاسة إلى موقع آخر في سيئول، وفتح البيت الأزرق أمام الزوار لأول مرة منذ 74 عامًا. جاءت هذه الخطوة كرمز للشفافية والانفتاح، ولفتح نافذة على التاريخ السياسي والثقافي لكوريا. منذ ذلك الحين، تحول البيت الأزرق إلى موقع جذب سياحي بارز، حيث تنظم جولات يومية تستعرض أبرز مرافق البيت، مثل قاعات الاجتماعات الرسمية، الحدائق الرئاسية، وقاعات الضيافة التي استقبلت زعماء العالم. كما أُطلقت فعاليات ثقافية وفنية تثري تجربة الزائر.

من أبرز المعالم التي يمكن مشاهدتها هي قاعة 'تشونتشوغوان'، وهي القاعة التي كانت تُعقد فيها المؤتمرات الصحفية الهامة والاجتماعات الرئاسية. تتميز ببساطتها ورمزيتها، حيث تتوسطها المنصة الرسمية التي عُرف عنها إعلان القرارات المصيرية في تاريخ البلاد. بعدها، ينتقل الزائر إلى القاعة الرسمية للضيافة، وهي المكان الذي استقبلت فيه كوريا كبار الشخصيات الدولية، بدءًا من رؤساء الدول إلى سفراء العالم. القاعة مزينة بزخارف تقليدية كورية، وتُبرز فلسفة التواضع والرقي التي تميز الثقافة الكورية.
واحدة من أجمل المحطات في الجولة هي الحديقة الخلفية 'نوكجيون'، وهي مساحة خضراء شاسعة تحتضن أشجارًا معمّرة، وتوفر جوًا من السكينة.كما يمكن للزوار استكشاف مكتب الرئيس السابق، الذي يحتفظ ببعض تفاصيل الأثاث والقطع الشخصية التي تعكس الحياة العملية للرؤساء السابقين، مما يمنح نظرة حية على الأحداث والقرارات المهمة التي شهدها هذا المكان.
تتضمن الجولة زيارة غرفة الاجتماعات، التي كانت مخصصة للمداولات والاجتماعات المغلقة. وأخيرًا، تضيف إطلالة جبل 'بوكّاكسان' بعدًا طبيعيًا رائعًا للزيارة، حيث يمكن للزائر رؤية الجبال تحيط بالموقع وكأنها تحميه من كل الجهات، مما يعكس الفلسفة الكورية التقليدية في اختيار المواقع القائمة على توازن الطبيعة والطاقة.

في نوفمبر الماضي، أتيحت لي الفرصة لزيارة هذا الموقع التاريخي. شكّلت الزيارة تجربة فريدة من نوعها، حيث مثّلت أكثر من مجرد دخول إلى مبنى رسمي؛ كانت عبورًا إلى مرحلة كاملة من تاريخ كوريا الحديث. لم يكن المشهد عاديًا: سماء صافية، وهواء خريفي منعش، وأشجار متلونة بأطياف الخريف، مما أضفى على التجربة بُعدًا بصريًا وجماليًا لا يُنسى.
كل تفصيل داخل البيت يحمل رمزية معينة. فالممرات التي مر بها رؤساء البلاد، والغرف التي شهدت قرارات حاسمة، كلها تنقل الزائر من مجرد متفرج إلى شاهد على ذاكرة سياسية عميقة. اللافت في الجولة هو تنظيمها الدقيق والمعلومات المقدمة من قِبل المرشدين المتخصصين، الذين لا يكتفون بالسرد التاريخي، بل يقدمون خلفيات تحليلية تربط كل قاعة وكل زاوية بالسياق السياسي والاجتماعي الكوري.
استغرقت زيارتي قرابة ساعة واحدة فقط، لكنها كانت كافية لتكوين انطباع عميق وراسخ عن هذا المعلم الفريد. اليوم، لا يُنظر إلى البيت الأزرق كمجرد مقر سابق للرئاسة، بل كمؤسسة رمزية تحتضن سردية الدولة الكورية الحديثة. فهو يجسّد مراحل انتقال السلطة، ويعكس فلسفة الحكم، كما أنه بات منبرًا لتعزيز الدبلوماسية الثقافية، من خلال استقباله للزوار والباحثين والمهتمين بالشأن الكوري.

في ضوء ذلك، فإن زيارة البيت الأزرق تُعدّ ضرورة لأي مهتم بالشأن الكوري، أو لأي سائح يسعى لفهم أعمق لتاريخ هذه الدولة الصاعدة. وبينما تُخطط كوريا لمستقبلها، يبقى البيت الأزرق شاهدًا على ماضيها، ومفتاحًا لفهم حاضرها، وجسرًا للتواصل بين تراثها السياسي وهويتها الثقافية.
كلمات مفتاحية : البيت الأزرق، سيئول، السياحة الكورية، رحلة الى كوريا، الثقافة الكورية، مراسلة فخرية، الجمهورية كوريا، كوريا نت
How about this article?
- Like3
- Support0
- Amazing1
- Sad0
- Curious0
- Insightful0